هي...و طيفها
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
هي...و طيفها
هي...و طيفها
قال لي صديقي:كثيراً أشعر أنني مقصر في حق أقاربي ..لديّ أقارب كثر لا أزورهم إلا كل سنة أو سنتين..و لا اعرفهم جيداً فقلت : ليست مشكلتك وحدك.. إنها مشكلة كثير منا ..مشكلة المدنية..أو ما ندعوها مدنية !!
حضارة اخترعت الصاروخ لتصعد إلى القمر , و اخترعت الهواتف الثابتة و النقالة ..لكي يتبادل البشر التحايا و الشتائم .. و رغم ذلك قطعت الحضارة أرحامها كالشجرة في الخريف , تساقطت أوراقها .. ثم جاءت الريح عصفت بها ..فصارت كل ورقة في مكان لا تدري أين أختها غلا أن الفارق في أوراق الشجرة أن أوصارها تقطعت .. و الغصن الذي و الغصن الذي كان يربط بينها قد انخلعت عنه . أما بني البشر فبينهم أسلاك و أقمار .. لكنهم لا يكترثون . أما ترى أوراق الشجرة إذا تساقطت جفت و اصفر لونها كالإنسان المريض .. و كأنها ترثي حالها ...
و تمرض لفراق أخوتها و أمها!!! بينما نحن ننسى أهلنا عاماً و عامين ...بل أعوام عديدة ولا يطرف لنا جفن !
فقال صديقي: صدقت, أما إني أريد أن أحكي لك أمراً .. فلو كان بك رغبة فاجلس و استمع . فقلت : و لما لا أستمع.. أنت صديقي و أنا صديقك .. و كوب الشاي على حسابك . فقال صاحبنا : آه منك أيه الخبيث !! فقلت : هات ما لديك ! فقال : تعرف أن جذوري تنحدر من تلك المحافظة ..وقد ذهبت مع عائلتي في العيد لنزور أهلنا ..و رغم أن بيت جدي ضيق . إلا أنه يتسعنا جميعاً ..نحن و أخوالي الأربعة .. و زوجاتهم و أبنائهم ..فكأنها الشجرة التي وصفتها كثيفة الأغصان متشابكتها..تضرب جذورها في الأرض عميقة لتسقي أوراقها من نبع الحنان الصافي و الأمومة المخلصة .
نجلس فنتسامر و نتحدث ..ثم تنصؤف جدتي إلى مطبخها العتيق لكي تحضر لنا الطعام الذي لا تعرف كيف دبت القوة في عروقها لكي تحضره ..و كأن رؤية أبنائها و أحفادها يبعث فيها قوة على قوة ..فتطلق أمراض جسدها قليلاً!ويجىء الطعام ..فنأكل في تبادل للضحك ..
و نلتهم الطعام التهاماً ..و تقوم أمي و زوجات أخوالي لكي يساعدن جدتي في تنظيف الصحون حتى يبدو المشهد و كأنه لوحة درامية لحرب عاتية . فتبدو الصحون و الأطباق و كأنها مخلفات الحرب. و نبدو نحن الشر و كاننا خرجنا من حرب أثخنتنا جراحاً!! بينما تجيء أمي و جدتي بعد قليل بكؤوس الشاي الساخن . و كأنهن يضمدن جراح الجنود البواسل!!!
فاستوقفته ضاحكاً و قلت :أما إنك تصف المشهد و كأنه حرب طاحنة بالفعل!!
فاستكمل صاحبنا :و يجيء أبناء أخوالي صبياناً و بناتاً .. فيصرخون في مرح الأطفال..و تبدو على وجوهم بسمات العيد.. وما هي إلا لحظات حتى تسمع صوت تلك المفرقعات النارية التي تفزعك و كأن حرباً حقيقية قد نشبت
فقلت ك يا له من زمن هذا الذي يجعل أطفال في عمر الزهور يمسكون البارود ليلعبون به !!
فإذا كبروا لم يكن عزيزعليهم أن يمسكوا نفس البارود ليقتلوا به الآخرين من أجل عرض زائل! فقال : يلعبون و يلعبون و يلعبون ..حتى يجيء جدي ليلاً وقد تذمر من صوتهم و إزعاجهم فيسبهم من وراء قلبه .. حتى يتوقفوا عن الصراخ و اللعب . و ينتهي اليوم الحافل بالجراح الوهمية..و أرى أخي الصغير نائماً و كان بقرة ظلت تحرث نهاراً كاملاَ!! لا تسمع له غلا خواراً!
و في اليوم التالي ذهبت مع أبي إلى المحافظة المجاورة , حيث تعلم أن أعمامي يقطنون هناك ...و جذور أبي تضرب إلى تلك المدينة.
طريق قصير يفصل بين البلدتين . تقطعه السيارة نهباً..وترى عن اليمين و عن اليسار الحقول الخضراء..فما برح أبي يكرر جملة كلما مررنا بهذا الطريق . يقول: آه لو كان لنا هنا بيتاً و حقاً..نصنع خبزنا في فرن بيتنا. و في آخر اليوم نحضر الشاي على الفحم ..!!فأنظر له متعجباً ولا أرد!
فقلت له : ألا ترى أن المدينة تطرق أبواب الريف طرقاً!! فترى هناك وسط تلك الحقول
و الفطرة الغير ملوثة ..ترى المقاهي قد تناثرت هنا و هناك.. و مصانع"الكوكاكولا" قد ربت و طغت على محال العصائر و بائعي اللبن !!فقال: صدقت...و ما بيدنا شيء نفعله!
فقال:و من عادتنا أن تنزل رحالنا أول ما تنزل في بيت عمتي..فهي متزوجة و لم يرزقها الله من الأولاد..فكان أبي يحب أن يواسيها بأن نكون أكثر زيارة لها ..و هي امرأة بسيطة ..لم تحصل على تعليم كثير . لكنهم يمتلكون طبقاً صناعياً يستقبلون به ذلك السيال القادم من الفضاء!
فأخذت تحدثني عن قناة "الجزيرة"و الإنتخابات و الإخوان..
قلت له مقاطعاً:ها .. أراك أطلت عليّ و ما أظنك قد أجلستني لتسمعني هذه القصة التي ما أرى بها ما تريد أن "تفضفض" به للآخرين !!
فقال صاحبنا: و ما أراك إلا أنك تفهمني جيداً.. سأخبرك. ولكن دعني أكمل القصة و حواشيها !
فقلت : ما دمت ستدفع ثمن المشروب الثاني .. فسأستمع إليك!
فقال : لو جئت معي هناك لشربت في يوم واحد ما لا تشربه طوال أسبوع كامل! ثم قال:ثم جاء عمي الأصغر الذي لم أراه منذ ثلاث سنوات و فهو كان يعمل في دولة أخرى ... و رأيت الشيب وقد وخط فوديه و بدأ يزن لحيته و شاربه.
بينما كان عمي الأكبر جالساً معنا ... و كانا صائمان ..فأخذنا نتحدث فيما يتحدث فيه الناس ..و قام عمي و فأخرج من جيبه نقوداً و أعطانيها ..و قال لا تتحجج أن كبرت على "العيدية".. فابتسمت و أخذتها شاكراً
ثم ذهبنا جميعاً إلى بيت عمي الأكبر.. لكي نتناول طعام الغداء..فأكلت كما لم آكل من زمن .. و.. فقاطعته ثانية قائلاً:أما تريد أن تخبرني ما تريد؟ فتنهد قائلاً ... سأقول لك ..
فرأيته يشخص في بصره هنيهة..و كأنه يستحضر ذكرى موقف ما ..
ثم تحدث فقال : دخلنا بعد الطعام إلى الصالون.. و كان أن حضرت عمة أبي و هي صغيرة لا تكبره كثيراً
وهم يمزحون معها مثلما يمزح الأخ مع أخته.. و كان معها ابنتيها ...دخلت فسلمت عليها و سلمت عليّ..و سلمت عليّ ابنتها الكبرى بتحية شفهية.
ثم تنهد قائلاً.. كنت أعرف تلك العمة و كانت تزورنا من وقت لآخر ..لكن لم أكن أعرف ابنتيها..احداهما صغيرة في المدرسة الإعدادية.و الأخرى!و ما أدراك ما الأخرى!!
فقلت ك ويحك! ما تريد أن تقول؟! فقال صاحبنا: كانت داليا..تجلس بجوار أمها..كما يجلس القمر في سمائه
كنت أختلس النظرات إليها من حين على آخر ..انظر إلى صنيع يدي الله..فأرى وجهها يشع نوراً و كأنه البدر في تمامه..و تبتسم فيفتر ثغرها عن صفين من اللؤلؤ..فتنامى في صدري شوق أن أعرف عمرها..إلا أنني كتمته في نفسي
فقلت : ويحك..ألا تملك أن تغض بصرك !فقال: كانت محجبة,و لم أكن أنظر إليها بشهوة تحركني .. و إنما بعاطفة تملكتني..و كأن روحها تحلق المكان و ترفرف بجناحين فوق رأسي..و تأمرني ألا أغمض عينيّ عنها.
فقلت:لست مقتنعاً كثيراً..لكن ما حدث بعد ذلك؟فقال : لقد أغناني القدر عن سؤالي ..فقلت: و كيف ذلك,يا لك من محظوظ!
فقال : جاء عمي ليعطيها "العيدية" فأخذت تقول له في استحياء:عيب يا عمي أنا لم أعد صغيرة.. أنا عندي 21 سنة!! فقلت : أما ترى أنك محظوظ لدرجة تثير الغيظ !!
فاستكمل كأن لم يستمع لمقولتي, و قال : كانت تتحدث بطلاقة جميلة, و ترد على أبي و أعمامي نيابة عن أمها .. فلم يكن بها ذلك الخجل المريض , و لكنها في كل ذلك كانت تخفض بصرها في استحياء.. و تلتصق بأمها و كأنها تستمد منها شيئاً من الثقة , و كأن الغصن يسمو بالزهر .
لا تتحدث غلا بقدر الحاجة, لكنها إذا تحدثت أفادت .. و إذا تكلمت أجادت ..صوتها جليّ في غير غموض, خفيض في غير خضوع.
كنت أنظر لها فأرى فيها جمالاً هادئاً.. و روحاً متوقدة.. و تمد كفيها فأنهما لحماً طرياً قد لُف في الحرير.. و كأن حجابها تاج على رأسها , ملكة تجلس فوق عرشها .. فلما تبسمت كأن نسمات الأرواح قد انطلقت من ثغرها .. فهزت أركان روحي!
نظرت له في شفقة و قلت: و مالك و كأنك تعرفها من دهور و تهيم بها عشقاً؟ أما كنت تبحث عن من تتقدم لها؟ تقدم لها إذاً طالما أعجبتك لهذه الدرجة و هي في نفس عمرك تقريباً!! فنظر لي و قال: و كأنك تحقد عليّ! ما بك ! أما إني أشعر أن حقدك هذا قد سبق على سطور القدر فجعل القصة تعجّل بنهايتها!!
فقهقهت ضاحكاً و قلت : لا أحقد و إنما فقط أتعجب لحالك .. هات ما لديك.
فتنهد في حرارة و استأنف: فجأة وجدتهم يتحدثون عن "خطيبها" .. و كيف أنهما ذهبا لشراء كذا و كذا ... من أجل بيتهما . فقلت : يا لك من مسكين ! فقال: و أخذت أمها تتحدث عنه و عنها و بعض أمورهما ..
فكان أن تمنيت لهما التوفيق من قلبي .. ودعنا الجميع ثم انطلقنا . و في طريق عودتنا , أجلس بجوار أبي في السيارة وأنظر إلى الطريق تنهبه السيارة نهباً و ما زال طيفها محلقاً في سماء خيالي .
فقال أبي : المفروض أن نتزاور كثيراً.. كل واحد منا يبرر غيابه بمشاغله و مشاغل حياته ..
عمتي هذه لم أرها من سنتين . فقلت له : و أنا لم أر عمتي منذ أعوام خمسة! فقال و كأنه شعر ما يدور بخلدي : ما رأيك في داليا؟!
فلم أجد سوى أن لساني انطلق من دون إذن قائلاً: إنها "عسولة" ما شاء الله... فكأنه لم يسمعني , فقال ماذا؟ فأعدت قولتي: إنها جميلة ما شاء الله.. و كأن القدر كان يريد أن يزيدني ألماً , فقال أبي : ألم يكن أخوك الكبير أحق بها من الغرباء!!
فنظرت له متحسراً, و قلت: نعم أكيد !! ثم استمرت الأشجار و الحقول حولنا في التراجع خلفاً.. حتى وصلنا إلى بلدة أخوالي .. و انقطع حبل أفكاري .. و هكذا كانت قصتي .
فقلت : ما أرى إلا أن تقطع تفكيرك في هذا الموضوع .. أما ترى أنك ما زلت بعد صغير؟ و ما كانت قصتك إلا حلمٌ انتهى قبل أن يبدأ ! فقال : نعم ,
اشرب ما تبقى في الكوب و قم .. فإن طيفها يحلق في المكان !
قال لي صديقي:كثيراً أشعر أنني مقصر في حق أقاربي ..لديّ أقارب كثر لا أزورهم إلا كل سنة أو سنتين..و لا اعرفهم جيداً فقلت : ليست مشكلتك وحدك.. إنها مشكلة كثير منا ..مشكلة المدنية..أو ما ندعوها مدنية !!
حضارة اخترعت الصاروخ لتصعد إلى القمر , و اخترعت الهواتف الثابتة و النقالة ..لكي يتبادل البشر التحايا و الشتائم .. و رغم ذلك قطعت الحضارة أرحامها كالشجرة في الخريف , تساقطت أوراقها .. ثم جاءت الريح عصفت بها ..فصارت كل ورقة في مكان لا تدري أين أختها غلا أن الفارق في أوراق الشجرة أن أوصارها تقطعت .. و الغصن الذي و الغصن الذي كان يربط بينها قد انخلعت عنه . أما بني البشر فبينهم أسلاك و أقمار .. لكنهم لا يكترثون . أما ترى أوراق الشجرة إذا تساقطت جفت و اصفر لونها كالإنسان المريض .. و كأنها ترثي حالها ...
و تمرض لفراق أخوتها و أمها!!! بينما نحن ننسى أهلنا عاماً و عامين ...بل أعوام عديدة ولا يطرف لنا جفن !
فقال صديقي: صدقت, أما إني أريد أن أحكي لك أمراً .. فلو كان بك رغبة فاجلس و استمع . فقلت : و لما لا أستمع.. أنت صديقي و أنا صديقك .. و كوب الشاي على حسابك . فقال صاحبنا : آه منك أيه الخبيث !! فقلت : هات ما لديك ! فقال : تعرف أن جذوري تنحدر من تلك المحافظة ..وقد ذهبت مع عائلتي في العيد لنزور أهلنا ..و رغم أن بيت جدي ضيق . إلا أنه يتسعنا جميعاً ..نحن و أخوالي الأربعة .. و زوجاتهم و أبنائهم ..فكأنها الشجرة التي وصفتها كثيفة الأغصان متشابكتها..تضرب جذورها في الأرض عميقة لتسقي أوراقها من نبع الحنان الصافي و الأمومة المخلصة .
نجلس فنتسامر و نتحدث ..ثم تنصؤف جدتي إلى مطبخها العتيق لكي تحضر لنا الطعام الذي لا تعرف كيف دبت القوة في عروقها لكي تحضره ..و كأن رؤية أبنائها و أحفادها يبعث فيها قوة على قوة ..فتطلق أمراض جسدها قليلاً!ويجىء الطعام ..فنأكل في تبادل للضحك ..
و نلتهم الطعام التهاماً ..و تقوم أمي و زوجات أخوالي لكي يساعدن جدتي في تنظيف الصحون حتى يبدو المشهد و كأنه لوحة درامية لحرب عاتية . فتبدو الصحون و الأطباق و كأنها مخلفات الحرب. و نبدو نحن الشر و كاننا خرجنا من حرب أثخنتنا جراحاً!! بينما تجيء أمي و جدتي بعد قليل بكؤوس الشاي الساخن . و كأنهن يضمدن جراح الجنود البواسل!!!
فاستوقفته ضاحكاً و قلت :أما إنك تصف المشهد و كأنه حرب طاحنة بالفعل!!
فاستكمل صاحبنا :و يجيء أبناء أخوالي صبياناً و بناتاً .. فيصرخون في مرح الأطفال..و تبدو على وجوهم بسمات العيد.. وما هي إلا لحظات حتى تسمع صوت تلك المفرقعات النارية التي تفزعك و كأن حرباً حقيقية قد نشبت
فقلت ك يا له من زمن هذا الذي يجعل أطفال في عمر الزهور يمسكون البارود ليلعبون به !!
فإذا كبروا لم يكن عزيزعليهم أن يمسكوا نفس البارود ليقتلوا به الآخرين من أجل عرض زائل! فقال : يلعبون و يلعبون و يلعبون ..حتى يجيء جدي ليلاً وقد تذمر من صوتهم و إزعاجهم فيسبهم من وراء قلبه .. حتى يتوقفوا عن الصراخ و اللعب . و ينتهي اليوم الحافل بالجراح الوهمية..و أرى أخي الصغير نائماً و كان بقرة ظلت تحرث نهاراً كاملاَ!! لا تسمع له غلا خواراً!
و في اليوم التالي ذهبت مع أبي إلى المحافظة المجاورة , حيث تعلم أن أعمامي يقطنون هناك ...و جذور أبي تضرب إلى تلك المدينة.
طريق قصير يفصل بين البلدتين . تقطعه السيارة نهباً..وترى عن اليمين و عن اليسار الحقول الخضراء..فما برح أبي يكرر جملة كلما مررنا بهذا الطريق . يقول: آه لو كان لنا هنا بيتاً و حقاً..نصنع خبزنا في فرن بيتنا. و في آخر اليوم نحضر الشاي على الفحم ..!!فأنظر له متعجباً ولا أرد!
فقلت له : ألا ترى أن المدينة تطرق أبواب الريف طرقاً!! فترى هناك وسط تلك الحقول
و الفطرة الغير ملوثة ..ترى المقاهي قد تناثرت هنا و هناك.. و مصانع"الكوكاكولا" قد ربت و طغت على محال العصائر و بائعي اللبن !!فقال: صدقت...و ما بيدنا شيء نفعله!
فقال:و من عادتنا أن تنزل رحالنا أول ما تنزل في بيت عمتي..فهي متزوجة و لم يرزقها الله من الأولاد..فكان أبي يحب أن يواسيها بأن نكون أكثر زيارة لها ..و هي امرأة بسيطة ..لم تحصل على تعليم كثير . لكنهم يمتلكون طبقاً صناعياً يستقبلون به ذلك السيال القادم من الفضاء!
فأخذت تحدثني عن قناة "الجزيرة"و الإنتخابات و الإخوان..
قلت له مقاطعاً:ها .. أراك أطلت عليّ و ما أظنك قد أجلستني لتسمعني هذه القصة التي ما أرى بها ما تريد أن "تفضفض" به للآخرين !!
فقال صاحبنا: و ما أراك إلا أنك تفهمني جيداً.. سأخبرك. ولكن دعني أكمل القصة و حواشيها !
فقلت : ما دمت ستدفع ثمن المشروب الثاني .. فسأستمع إليك!
فقال : لو جئت معي هناك لشربت في يوم واحد ما لا تشربه طوال أسبوع كامل! ثم قال:ثم جاء عمي الأصغر الذي لم أراه منذ ثلاث سنوات و فهو كان يعمل في دولة أخرى ... و رأيت الشيب وقد وخط فوديه و بدأ يزن لحيته و شاربه.
بينما كان عمي الأكبر جالساً معنا ... و كانا صائمان ..فأخذنا نتحدث فيما يتحدث فيه الناس ..و قام عمي و فأخرج من جيبه نقوداً و أعطانيها ..و قال لا تتحجج أن كبرت على "العيدية".. فابتسمت و أخذتها شاكراً
ثم ذهبنا جميعاً إلى بيت عمي الأكبر.. لكي نتناول طعام الغداء..فأكلت كما لم آكل من زمن .. و.. فقاطعته ثانية قائلاً:أما تريد أن تخبرني ما تريد؟ فتنهد قائلاً ... سأقول لك ..
فرأيته يشخص في بصره هنيهة..و كأنه يستحضر ذكرى موقف ما ..
ثم تحدث فقال : دخلنا بعد الطعام إلى الصالون.. و كان أن حضرت عمة أبي و هي صغيرة لا تكبره كثيراً
وهم يمزحون معها مثلما يمزح الأخ مع أخته.. و كان معها ابنتيها ...دخلت فسلمت عليها و سلمت عليّ..و سلمت عليّ ابنتها الكبرى بتحية شفهية.
ثم تنهد قائلاً.. كنت أعرف تلك العمة و كانت تزورنا من وقت لآخر ..لكن لم أكن أعرف ابنتيها..احداهما صغيرة في المدرسة الإعدادية.و الأخرى!و ما أدراك ما الأخرى!!
فقلت ك ويحك! ما تريد أن تقول؟! فقال صاحبنا: كانت داليا..تجلس بجوار أمها..كما يجلس القمر في سمائه
كنت أختلس النظرات إليها من حين على آخر ..انظر إلى صنيع يدي الله..فأرى وجهها يشع نوراً و كأنه البدر في تمامه..و تبتسم فيفتر ثغرها عن صفين من اللؤلؤ..فتنامى في صدري شوق أن أعرف عمرها..إلا أنني كتمته في نفسي
فقلت : ويحك..ألا تملك أن تغض بصرك !فقال: كانت محجبة,و لم أكن أنظر إليها بشهوة تحركني .. و إنما بعاطفة تملكتني..و كأن روحها تحلق المكان و ترفرف بجناحين فوق رأسي..و تأمرني ألا أغمض عينيّ عنها.
فقلت:لست مقتنعاً كثيراً..لكن ما حدث بعد ذلك؟فقال : لقد أغناني القدر عن سؤالي ..فقلت: و كيف ذلك,يا لك من محظوظ!
فقال : جاء عمي ليعطيها "العيدية" فأخذت تقول له في استحياء:عيب يا عمي أنا لم أعد صغيرة.. أنا عندي 21 سنة!! فقلت : أما ترى أنك محظوظ لدرجة تثير الغيظ !!
فاستكمل كأن لم يستمع لمقولتي, و قال : كانت تتحدث بطلاقة جميلة, و ترد على أبي و أعمامي نيابة عن أمها .. فلم يكن بها ذلك الخجل المريض , و لكنها في كل ذلك كانت تخفض بصرها في استحياء.. و تلتصق بأمها و كأنها تستمد منها شيئاً من الثقة , و كأن الغصن يسمو بالزهر .
لا تتحدث غلا بقدر الحاجة, لكنها إذا تحدثت أفادت .. و إذا تكلمت أجادت ..صوتها جليّ في غير غموض, خفيض في غير خضوع.
كنت أنظر لها فأرى فيها جمالاً هادئاً.. و روحاً متوقدة.. و تمد كفيها فأنهما لحماً طرياً قد لُف في الحرير.. و كأن حجابها تاج على رأسها , ملكة تجلس فوق عرشها .. فلما تبسمت كأن نسمات الأرواح قد انطلقت من ثغرها .. فهزت أركان روحي!
نظرت له في شفقة و قلت: و مالك و كأنك تعرفها من دهور و تهيم بها عشقاً؟ أما كنت تبحث عن من تتقدم لها؟ تقدم لها إذاً طالما أعجبتك لهذه الدرجة و هي في نفس عمرك تقريباً!! فنظر لي و قال: و كأنك تحقد عليّ! ما بك ! أما إني أشعر أن حقدك هذا قد سبق على سطور القدر فجعل القصة تعجّل بنهايتها!!
فقهقهت ضاحكاً و قلت : لا أحقد و إنما فقط أتعجب لحالك .. هات ما لديك.
فتنهد في حرارة و استأنف: فجأة وجدتهم يتحدثون عن "خطيبها" .. و كيف أنهما ذهبا لشراء كذا و كذا ... من أجل بيتهما . فقلت : يا لك من مسكين ! فقال: و أخذت أمها تتحدث عنه و عنها و بعض أمورهما ..
فكان أن تمنيت لهما التوفيق من قلبي .. ودعنا الجميع ثم انطلقنا . و في طريق عودتنا , أجلس بجوار أبي في السيارة وأنظر إلى الطريق تنهبه السيارة نهباً و ما زال طيفها محلقاً في سماء خيالي .
فقال أبي : المفروض أن نتزاور كثيراً.. كل واحد منا يبرر غيابه بمشاغله و مشاغل حياته ..
عمتي هذه لم أرها من سنتين . فقلت له : و أنا لم أر عمتي منذ أعوام خمسة! فقال و كأنه شعر ما يدور بخلدي : ما رأيك في داليا؟!
فلم أجد سوى أن لساني انطلق من دون إذن قائلاً: إنها "عسولة" ما شاء الله... فكأنه لم يسمعني , فقال ماذا؟ فأعدت قولتي: إنها جميلة ما شاء الله.. و كأن القدر كان يريد أن يزيدني ألماً , فقال أبي : ألم يكن أخوك الكبير أحق بها من الغرباء!!
فنظرت له متحسراً, و قلت: نعم أكيد !! ثم استمرت الأشجار و الحقول حولنا في التراجع خلفاً.. حتى وصلنا إلى بلدة أخوالي .. و انقطع حبل أفكاري .. و هكذا كانت قصتي .
فقلت : ما أرى إلا أن تقطع تفكيرك في هذا الموضوع .. أما ترى أنك ما زلت بعد صغير؟ و ما كانت قصتك إلا حلمٌ انتهى قبل أن يبدأ ! فقال : نعم ,
اشرب ما تبقى في الكوب و قم .. فإن طيفها يحلق في المكان !
فراشة البنفسج- المساهمات : 127
تاريخ التسجيل : 15/04/2009
العمر : 32
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى