(وَأَمْلأْ يَدَيْكَ رِزْقًا):
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
(وَأَمْلأْ يَدَيْكَ رِزْقًا):
(وَأَمْلأْ يَدَيْكَ رِزْقًا):
يأتي الرزق بعد غنى القلب فحينها يكون نفعاً للإنسان، ولو أتى قبل أن يمتلأ القلب بالغنى كان والله أعظم الضرر، وكان سبباً لأن يظل عبداً لهذا الرزق؛ للدرهم والدينار (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِىَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ) رواه البخاري.
فيمتلأ القلب بهذا السم الناقع... سم حب الدنيا والتعلق بها وعبوديتها؛ فلابد أن يمتلأ القلب أولا بالغنى... بالتفرغ لعبادة الله، وتفريغ الهم والإرادة والتعلق له -سبحانه- وحده، وأن تكون العبودية هي المهمة الأولى، لا أن تكون قضيته الأولى أن يطعم الأولاد أو يأتي بالمال أو يأكل عيشاً من أجله يبيع دينه ويشتري ذل الدنيا، ويقول: ماذا أصنع؟!
يأكل الربا ويأخذ الرشا ويعمل بالحرام، ويبيع عرضه وأمانته، وعبادته ويقول: أريد أن أطعم أولادي... أريد أن أعيش؟!
ووالله ما انتشر العمل الحرام وما قل العمل الحلال إلا لأن القلوب لم تستغن بالله فضاقت عليها الدنيا، والرزق إن جاء والقلب لم يستغن بعد ظل القلب فقيراً تعيساً باحثا عن لذاته المزيفة التي يدمر بها نفسه في الحقيقة؛ فإن وجد في يديه مالاً ذهب ووقع به في الشهوات المحرمة، وهذا من أعظم أسباب التعاسة الفظيعة، وحال كفار الغرب ومن اتبعهم على دربهم واضح بيّن، يعمل أحدهم العمل الدءوب طيلة خمسة أيام في الأسبوع ثم في عطلته يعاقر الخمر والمخدرات والمومسات؛ ليهرب من ألم فقر قلبه، ويعيش في سكرة ووهمّ لا ينتهيان به إلا إلى السعير.
ومع أشد الأسف إن هذه الشهوات المحرمة تملأ السهل والوادي لا يسلم منها إلا من رحم الله -عز وجل-، مع أنها تؤلم القلب وتدمره فمجرد رؤية وجوه -فقط وجوه- المومسات هذا من العذاب فما لنا بما طمّ وعمّ في الفضائيات والمواقع الإباحية وعلى الهواتف المحمولة، كيف يتلذذون بها؟!
بل كيف بمن نكست فطرته تماماً واستمتع بالممارسات الشاذة؟!
كل ذلك لأن القلوب لم تعرف ربها ولم تستغن به، فتلهث وراء سراب فإذا ما جاءته لم تجده إلا مزيداً من الألم والعذاب.
(لا تَبَاعَدْ عَنِّي فَأَمْلأْ قَلْبَكَ فَقْرًا، وَأَمْلأْ يَدَيْكَ شُغْلا):
وهكذا كلما بعدت القلوب عن ربها والميل إليه كلما زاد شعورها بالضيق والفقر والحاجة ولو جمعت لها متع الدنيا بحذافيرها فإنها لا تغنيها، بل تزيدها ضنكاً وفقراً، وفي نفس الوقت تمتلئ الأيدي شغلاً بالليل والنهار ولهثاً وراء الدنيا، ولكن لا كفاية ولا سد للحاجات فلا غنى للقلب ولا غنى للبدن، بل وتزداد الأحوال سوءاً كلما ازدادت القلوب بعداً.
وبالتالي تزداد الأزمة -الاقتصادية والغلاء وقلة البركة- سوءاً، وتزداد البلايا والمحن حتى تعم الفتن فتصبح -والعياذ بالله- (فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) تصيب الصالح والطالح.
ولكن الصالح -بفضل الله- عنده من غنى القلب بالله -عز وجل- ما يهوِّن عليه هذه المصائب؛ فقلبه مفرغ لحب الله وحده، والرغبة فيما عنده وحده، ورجاء فضله وحده فيعيش أحسن حياة، ولا يجد في الترف سعادة ولا لذة، ولا في الفواحش والمنكرات نعيماً ولا متعة، إنما نعيمه في ركعتين يركعهما يقترب فيهما من ربه وإن تناول القليل من الطعام ولبس البسيط من الثياب.
فحياتنا تحتاج لتغيير كلي؛ كبيرنا وصغيرنا، غنينا وفقيرنا، داعينا ومدعونا، فلن تزيدنا تلك الأنماط الحياتية المستوردة من الغرب والشرق والتي تدفعنا دفعاً لمزيد من الترف الدنيوي وأن يكون هم حياتنا وهدف سعينا هو تكثير أموالنا وتكديس الأصفار أمام أعيننا لا نعبأ أمن حرامٍ أم من حلالٍ، والمهم نيل الشهوات واللذات سواء من فاحشة أو من حلال، وكلما تألمت القلوب فعليها بالهرب للخمر والمخدرات، أو المزيد من الغرق في الشهوات، لن يزيدنا هذا إلا تعاسةً وبؤساً وضيقاً وضنكاً.
فإن قضية الرزق والكسب والفقر والغنى مرتبطة بسلوك المسلم وعقيدته فإن عاش للعبودية جعل الله بين يديه سعة الرزق وكفاية الأحوال بعد حصول الغنى والأمن في القلب (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)(الأنعام:82).
فاللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى لنا وللمسلمين. اللهم آمين
Nour- المساهمات : 38
تاريخ التسجيل : 31/03/2009
العمر : 31
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى